جلـول قاسمــي..مُبْدعاً وبَاحثاً-نجيب العوفي
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
عوالم سردية

جلـول قاسمــي..مُبْدعاً وبَاحثاً

  نجيب العوفي    

بعصامية باهرة وعزيمة ماضية، منذ طلائع التسعينيات من القرن الفارط،ضاربا مواعيد
أدبية جميلة مع تباشير الألفية الثالثة.
   وقد أنجز الحر ما وعد.
ينبثق اسمه، جلول ، من عمق تربة المغرب الشرقي، وتحديدا من مدينة جرادة التي درج
في مرابعها، وأنصت جيدا لمواجدها، ومواجعها، فكانت مرتعا خصبا لإبداعه السردي.
  والمرء مَوْشُومٌ بمكانه وزمانه.
يجمع جلول بين الكتابة الإبداعية وكتابة البحث الأدبي،كما يجمع ثقافة وتكوينا بين الحداثة
والتراث. شعاره / 
إن كان عندي للجديد لَـذَاذَةٌ     فلست بناس حُرْمَةً لقديم.
يظهر هذا التوليف ـ الحصيف بين البعد الحداثي والبعد التراثي، لأول وهلة، من خلال لغته
الــرصينة ـ المتينة، والإحالات والشواهد المعتقة التي تفيض من إنائه وتسيـل على لسانــه
وسنانه.
أصدر جلول قاسمي، أربع روايات هن على التوالي/                                          
 ـ سيرة للعته والجنون  
ـ سوانح الصمت والسراب  
ـ مدارج الهبوط 
ـ العابــر       
    وما خفي، ربما، أعظم.
 ولا بد لي هنا من نَفْثَة اعترافية حميمة.
فقد تَعَرَّفْتُ على جلول قاسمي لأوَّل مرة في غُضون التسعينيات الماضية، حين جاءني
بمسودة روايته الأولى(سيرة للعته والجنون) طالبا أن أقرأها وأقول فيها كلمة.
   وكذلـك كـان،
فقد قرأتُ الرواية، وراقني موضُوعُها البكر المَنْحُوت من مناجم جرادة، وأسلوب أدائها وسردها.                                  
وكتبت كلمةً في تقديمها، مراهنا على كاتبها.
   وكان الرّهان في نصَابه تماماً.
فقد جاءت شواهد الامتحان بعدئذ، مؤكدة للرهان، من خلال المسيرة الابداعية الصاعدة ـ
الصامدة لجلول  قاسمي. وها هو ذا الكاتب في عمله الجديد/ (الكتابة والنص الغائب ـ سؤال
المرجع في روايات أحمد التوفيق) ،يجلو ويؤكد لنا الجانب الآخر من إبداعه الأدبي. جانب
البحث الأكاديمي.
  يتحول جلول قاسمي في هذا الكتاب، من كاتب للرواية، إلى كاتب ـ باحث في الرواية.
وقد اختار على بَيّنة من أمـره، مقاربة سُؤالَ المرجع، والكتابة والنص الغائب،في روايات
أحمد التوفيق.
   اختيار نَبيهٌ  للموضوع وللمتن المقارب، معا.
   والاختيار، في حد ذاته، معيار ومسبار.
   ولا يختلف اثنان، في أصالة وثراء المتن الروائي لأحمد التوفيق، الذي دخل الرواية
المغربية، فجأة من باب خلفي.
   لكنه واسع ورائع.
 ومَتْنُهُ الروائي الحافل، مجال حيوي خصب، لأَسْئلَة الكتابة والنص  الغائب والمرجع.
وهو ما انتبه إليه جلول. بحصافة،
وأثار فُضوله العلمي، ودفع به إلى خوض غماره،باحثا مُحَلّلاً.
وقد اسْتَفْرَدَ الباحثُ لموضوع  بحثه، روايتين ـ  نموذجين، من أهم وأجمل روايات أحمد
التوفيق، وهما (جارات أبي موسى)،  و (شجيرة حناء وقمر).
والروايتان تَنْضَحَان بجمالية الكتابة، وأسئلة النص ـ الغائب والمرجع. وتَجْلُوان خصوصية
الكتابة الروائية عند أحمد التوفيق، الذي جاء إلى الرواية، من أفقين وارفيْن وقَريبيْن من
الرواية، وهما التاريخ وعلم الاجتماع.
  ولا بَدْعَ من ثمَّ، أن تتفاعل أسئلة المرجع والنص الغائب والكتابة، في مَتْنه الروائي.
وهي الأسئلة التي تفرَّغ الباحث جلول لمقاربتها ودراستها بكل جدّية وجدَّة، وفيما قل ودل
من الكلام، مسلحا بأحدث مناهج القراءة، ونازعاً عن خبرة ودراية بالنص المقروء، وجامعا
في قراءته بين الرؤية الحداثية، والرؤية التراثية. جامعا بين الحُسْنَيَيْن.
  وهذه ميزة أساسية عند الباحث جلول قاسمي،
وَحَسْبُكَ إلقاء نظرة على ثبت مراجعه ومصادره المعتمدة، ليتضح لك بجلاء ، هذا التوليف
الجميل، بين الحداثة والتراث.ولاشك في أن طبيعة المتن الروائي لأحمد التوفيق،تستدعي
هذا التوليف ـ التَّوظيف.والمناسبةُ شرط.
لكن الجمع والملاءمةَ بين الحداثي والتراثي، من قبلُ ومن بعدٌ، جبلَّة أدبية راسخة عند
جلول قاسمي. يَأْتيكَ سقْطٌ زَنْدهَا ، على السجيَّة.
   قد نتفق أو نَخْتلف مع الأداء المنهجي والتحليلي للكاتب، وآرائه وملاحظاته في الموضوع
المدروس، لكن لا يمكن إلاَّ أن نحيي فيه حماسته لموضوعه، واجتهاده المنهجي والتحليلي
وصفاء ديباجته ولغته، بما يجعلنا تجاه مبدع ـ باحث ، يبدع في كتابة الرواية، كما يبدع
في الكتابة عن الرواية.



 
  نجيب العوفي (2014-03-06)
Partager

تعليقات:
أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

جلـول قاسمــي..مُبْدعاً وبَاحثاً-نجيب العوفي

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia